القلق والخوف من المستقبل
من المعلوم أن مفهومالقلق النفسي لم يبقى ذلك المفهوم العادي بل أصبح كظاهرة إنسانية لها أثارها على
الصحة النفسية والجسدية إذ أنه يتضمن مدى نجاح الفرد في التوافق الداخلي بين
دوافعه ونوازعه المختلفة في التوافق الخارجي في علاقاته ببيئته المحيطة به.
لقد تغير العالم لم تعد
المشاكل الجسدية قصيرة الأمد تسبب لنا خوفاً ولا قلقاُ لكننا أصبحنا نقلق بشأن
المستقبل وكيفية التعامل مع المشاكل أو الظروف التي قد تنشأ لا حقا، ولم تظهر بعد.
ومصطلح القلق (Anxiety بالإنجليزية
) مشتق من الكلمة الإنجليزية anxius والتي تعني القلق من أمر غير واضح.
تستخدم أجسامنا ردات الفعل ذاتها أثناء القلق
وأثناء الخوف غير أن المشكلة تكمن في أن الخوف كردة فعل إنما وُجد ليتعامل مع
الخطر الواضح الداهم، لا يعمل بشكل صحيح عند مواجهة الأمور غير الواضحة، فحينها لا
يعرف الخوف متى ينطلق ومتى يتوقف وإذا استمر الخوف أكثر مما يلزم، شعرنا بالذعر
والانزعاج، وأصبح من الصعب أن نواصل حياتنا اليومية بشكل طبيعي.
نحن مجهزون للتعامل مع التحديات الجسدية
قصيرة الأمد، لكن المشاكل التي نتعرض لها هي غالبا تحديات معنوية لا جسدية وهي غير
واضحة المعالم وقد تستمر لفترة غير قصيرة، كما أننا لا نرى هذه التحديات ماثلة
أمامنا، فهي في الغالب ظروف لا نستطيع التحكم بها، فعلى سبيل المثال لا يستطيع
المرء التهرب من شديد الديون المتراكمة عليه، كما يستحيل أن نواجه عدم الاستقرار
في العمل جسديا غير أن ظروفاً كهذه تشكل خطراً مهما على طريقة عيشنا.
ومازلنا في القرن الحادي والعشرين نحمل وسائل دفاعية
من عصور ما قبل التاريخ فأجسامنا مبنية بطريقة تجعلها تتعامل مع الخوف قصير الأمد،
لكن عالمنا يفرض علينا قلقاً يدوم لفترات طويلة.
كما أن وسائلنا الدفاعية والواقع الذي نعيشها
لا يتمشيان معاً. ومن غير المستغرب أن يجعلنا عدم التلاؤم بينهما عرضة للإصابة بمشاكل
القلق فواقع أن معظم الأفراد لا يعانون من هذه المشاكل يعود إلى أن يمتلكون قدرة
عجيبة على التأقلم.
ولكن إذا كان الخوف أو القلق شديداً ومتواصلاً أو غير مناسب في ضخامته مع
الخطر الذي نتعرض له أو أنه يؤثر في حياتك اليومية وعملك فحينئذ قد تكون مصابا
باضطراب القلق وغالبا ما يمكن علاج اضطرابات القلق بفاعلية من دون اللجوء إلى
استخدام الأدوية.