كم من مرة هزمتنا الخيانة دون ان نقاتل حتى كم من مرة اجبرتنا على انهاء قصة اردنا لها الاستمرار، بشعة هي الخيانةوالابشع منها تقبلها.
الخيانة تولد من رحم الإنتقام وتترعرع في كنف الحرية و تموت في حضرة الوفاء.
إن التاريخ الإنساني المتجذر بجذوره المتينة عُرف بعدة أنواع وأنماط من الخيانة ( خيانة العهد، خيانةالوطن،خيانةالامانة،خيانةالزوجة،خيانةالزوج...)وتظل هذه الأخيرة "أي خيانة الزوج"الأكثر إنتشاراً والأوفر حظاً في الظهور خصوصاً في عصرنا الحالي، حيث تتعدد أصنافها و أشكالها موازةً مع العصر الرقمي . فلماذا يخون الرجل؛هل رغبة منه لإثبات الذات ام هي مجرد نزوات عابرة قد تضمحل مع مرور الزمن؟
غالباً ما تكون ردة الفعل اتجاه خيانة الرجل/الزوج بإلقاء اللوم على الزوجة والإشارة إليها بمختلف أصابع الإتهام (التقصير، التفريط ، الإهمال ، النكد ، الروتين ، الكذب ، الجدل ، كبت حرية الرجل ، كثرة الخلافات المشاكل التي لا تنتهي و إهمال مشاعر الزوج و الإكتفاء بالاهتمام بالأبناء ....) وهلم ما جرى . فعندما يتعلق الأمر بالخيانة المرأة دائما هي المذنبة ، هي التي قصرت و استهانت و من جهة أخرى هي التي أغوت و شجعت : أي هي الجلاد و الضحية في نفس الوقت . وماذا عن الرجل أليس لديه عقل يفكر و يتدبر أم هو دائماً عربة تقودها المرأة إلى أي وجهة ترضاها ؟ أليس ذو ضمير ينبهه عندما يكون سائراً على خط الظلال؟
إن إرجاع خيانة الزوج للزوجة كلما وقع شر الخيانة أمر مجحف للغاية ، فصحيح أن المرأة قد تكون مقصرة في حق الزوج أحياناً و تتمادى في لامبالاتها أحيانا أخرى لكن هذا لا يُعد مبرراً سامحاً للخيانة ، فكلنا صدفنا في حياتنا تلك الزوجة "المثالية" ورغم ذلك قام زوجها بخيانتها وهنا نتساءل هل المشكلة تكمن في الزوجة أم أن الرجل بات يريد أشياء لم توجد بعد؟
إن إشكالية خيانة الزوج أضحت تفرض نفسها و بقوة لذا وجب الوقوف عندها و تحديد أهم الأسباب الحقيقية و الدوافع التي تجعل من الرجل خائناً . ومن وجهة نظري فخيانة الرجل ناتجة عن تركيبته الفردية ، و لعل أبرز سببين لهذه الخيانة هما:
1:الخيانة من أجل إثبات الذات
منذ ولادة الذكر و نحن نشحنه بفكرة "الكائن المسموح له بالخطأ و بفعل أي شيء يرغب فيه" بالتالي أصبح مُحصنٌ للتعبير عما يريد و الحصول عليه أيضاً ،ومنه أصبح اللاوعي الذكوري مبرمج على الذاتية المتفردة هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فالذكر ترعرع و نضج مع مقولة "الشرع حلل أربعة" أي منذ طفولته المبكرة ونحن نشحنه بفكرة أن لديه الحقَ في أكثر من أنثى ، ليجد نفسه في الواقع مجبراً على إتمام حياته مع أنثى وحيدة قد تكون من إختياره أو ربما فرضت عليه لسبب من الأسباب.
فإرتباط الزوج لا يلغي فكرة كونه لايزال يمتلك الحق في أنثى أو إثنتين ولما لا ثلاثة بشكل قطعي. ففي الزمن غير البعيد و السابق لزماننا كان الرجل عندما يفتن بمرأة أخرى يتزوج ثانية، أما الآن أصبح الأمر صعباً للغاية ومجرد الإفصاح عن رغبته يجعله عرضةً لحرب باردة قد لا يستطيع تحمل نتائجها بالتالي الحل الوحيد "الخيانة وراء الستار" فقلب الرجل لم يخلق لتسكنه أنثى وحيدة وإنما هناك شيء إسمه الإكتفاء ، فكثيراً ما نجد رجالاً يحبون نسائهم بإخلاص و يكتفون بهم عن كل نساء العالم رغم تقصريهن أحياناً و جحودهن أحياناً أخرى ، و إلى جانب هؤلاء هناك صنف من الرجال لايُملأ قلبه بأنثى وحتى وإن سكن من قبل أنثاه فلاوعيه قبل وعيه يظل متشبثاً بفكرة التنوع وتحقيق الفحولة. فالإكتفاء بأنثى وحيدة ضرباً في رجولته و إنتقاصاً لفحولته ولا يمث لمعنى الرجولة بصلة ، ومن هنا بات لزاماً عليه البحث عن مواطن لإثبات ذاته كرجل تنطبق عليه الصفات الموروثة في لاوعيه الذكوري .
ولعل أبرز مايجعل الرجل عرضة للوقوع في مثل هذه المتاهات ضعف ثقته بنفسه ، الشيء الذي يدفعه للبحث عن إثبات بكونه لايزال مرغوباً فيه ، وبما أن من حقه التنقلَ بين إمرأةٍ و أخرى لكونه رجلاً ومادامت الفرصة سامحة و المغريات كثيرة فلا بأس في ذلك.
2:الخيانة مجرد نزوات عابرة
الخيانة ليست دائماً من أجل إثبات الذات، فقد تكون غيمة سوداء مثقلةٌ بالتعب و عدم القدرة على تحمل المزيد في فصلٍ خريفي أوشك على الإنتهاء .فالرجل بطبعه يجد عبئاً كبيراً في تحمل مسؤوليات متتالية دون وجود فاصل لأخذ قسط من الراحة....فقد إعتاد في السابق "أي قبل الزواج" العيش وفق نمط محدد ويأتي الزواج ليضعه داخل مربع العمليات ويلزمه العيش وفق شروط و ضوابط و قواعد محددة بل أكثر من ذلك يُحمله مزيداً من المسؤوليات (مسؤولية البيت،الزوجة،الأبناء.....) ليجد نفسه في دوامة لا تنتهي ، يعيش حياةً لا تستجيب لسقف تطلعاته، فيحنُ لأيام الشباب و طيشه. "أجل لقد تعب من كل شيء ومن حقه أن يعيش هو الأخر وفق تطلعاته هو"...وهنا تبدأ مرحلة البحث عن المتعة و المغامرة العابرتين بعيداً عن عش الزوجية ، فيبتدأ الأمر بمجرد محادثات عابرة و مجاملات مصطنعة بغية الغوص في تجارب جديدة قد لا تصل لصفة "الديمومة" فالغرض هنا الخروج من ذاك الإطار المغلق إلى فضاءٍ أكثر حرية ومتجددٍ بتجدد التطلعات و الرغبات ، وبما أن الرجل يميل إلى عشق المجاملات و الإطراءات و يصدقها حتى ولو كانت مبالغٌ فيها قد تخرج الأمور عن نصابه.
فقد يبتدأ فعل الخيانة بمجرد مزحة أو مزحات كما يحبذ معشر الرجال تسميتها {مع العلم أن مجرد التفكير في فعل الخيانة هي أولى درجات سلم الخيانة }. فتخرج الأمور عن نطاق السيطرة ليصل إلى حد لا يستطيع فيه التراجع ،ولما قد يتراجع وهو قد وجد أخيراً ما كان يريده لينتقل من مرحلة الهاوة إلى درجة مدمن.
أجل هو بات يعرف جيداً أنه يسير في طريق معتم وكيف لا يكون كذلك وهو أكثر مابات يخشاه أن ينفضح أمره...
إن الخيانة تظل خيانة بغض النظر عن الشكل الذي تتخذه؛ "مكالمات هاتفية، الدردشة الرقمية ، اللقاءات بمختلف أصنافها..." طعمها مر ووقْعُها مؤلمٌ للغاية ، فحتى وإن تمَّ تجاوُزها و غفرانُها تظل تبعياتُها و تأثيراتُها قائمة على الحياة الزوجية أولاً وعلى نفسية الأبناء وتمثلاتهم عن العلاقة الزوجية مستقبلا .
فالخيانة قد تُغفر لكنها لا تنسى.
بقلم : "نسيبة الشوح" طالبة باحثة في علم النفس