ماذا بعد الباكالوريا؟ إلى أين أولي وجهي؟ هذه وغيرها من الأسئلة المحيرة التي تتبادر إلى أذهان التلميذ الثانوي الذي تمكن من الحصول على شهادة الباكالوريا بعد طول مسير وجهد كبير- البعض لا الكل -، والانتقال من سنة دراسية إلى أخرى، بدءا بالمستوى الابتدائي ومرورا بالإعدادي وصولا إلى المستوى الثانوي الحاسم والمحدد لمسار التلميذ المغربي خاصة والعربي عامة.
إن أغلب التلاميذ الحاصلين على شهادة الباكالوريا - حلم كل تلميذ – يُجهدون أنفسهم الليالي الطوال وهم يفكرون في الإجابة عن هذه الأسئلة، فتجدهم يسألون فلانا وعلانا... وهذا الفلان قد تجده هو الآخر يسأل غيره نفس السؤال، فكل يسأل نفس السؤال. وذاك العلان قد تجده إذا سئل يتظاهر بالمعرفة والخبرة والتجربة في الحياة، فيعود هذا التلميذ وقد كان يسأل سؤالا واحدا بعدة أسئلة محيرة وبجملة أفكار مبعثرة، فيصبح حينها مشوش الأفكار مستيقظا بالأسحار، كثير التخمين والتفكير...، ويظل على حاله هذا إلى أن يرسل له الله تبارك وتعالى من يخرجه من حيرته ويكشف عنه غمته، فيخيره هذا المرشد بين الصعود في مسالك العارفين ومدارج السالكين... وإكمال دراساته العليا بالجامعة المغربية، وبين تكوين الذات واكتساب الخبرات، والالتحاق بركب طلبة التكوين المهني. وبعد أن يعمل التلميذ الحائر عقله، وينصت إلى قلبه، وما أملته عليه قرارة نفسه، يختار ما يختاره التلاميذ المجتهدون وطلاب العلم المواظبون، يختار إكمال دراساته العليا بالجامعة المغربية. ولو رجعنا بالزمن قليلا للوراء، نجد أن تلميذ الأمس لم يكن فيه من الحيرة والتردد في اختيار المسار ما في تلميذ اليوم. ولننتقل بسرعة لعقد مقارنة بين ما كان عليه الطالب والجامعة المغربيين قديما، وما أصبحا عليه حديثا. ولنحصر هذه المقارنة في جانبين أساسيين، ألا وهما:
-الجانب الأخلاقي والتربوي للطالب.
-وكذا الجانب الدراسي والتحصيلي له.
أولا: الجانب الأخلاقي والتربوي للطالب:
كانت الجامعة المغربية فيما سبق - في الماضي البعيد – في قمة التنظيم، بعيدة عن الفوضوية والعشوائية، طلبة وأساتذة ومسيرين وحراس أمن...الخ، حينها كان لا يستطاع التفريق بين بين الطالب والأستاذ المحاضر، لتشابه هندام كل منهما، واشتراكهما في بعض الأمور كتسريحة الشعر المؤدبة المهذبة، وطريقة المشي بوقار وتواضع تام، واللباس الفضفاض ذكورا وإناثا...الخ، وكان من سمات الطالب الحيي التقي الاحترام التام للأستاذ والمعلم.
فأين طلبة هذا الزمن من كل هذا؟
كل هذا وذاك، كان يساعد مدراء الجامعات على ضبط أمور الجامعة، وحسن تنظيمها، والعمل على تحسين أجواء الدراسة للطلبة. أما اليوم فحدث ولا حرج، عن قبع الجامعة المغربية في الدرك الأسفل من حيث تنظيمها وتسييرها...فصارت بهذا وغيره في ذروة الفوضوية وقمة العشوائية، طلبة وأساتذة ومسيرين – إلا من رحم الله -، وسهل على أي كان معرفة الطالب من الأستاذ، وسهولة المعرفة ههنا راجعة إلى البون الشاسع بين هندام الطالب اللاأخلاقي، وهندام الأستاذ المواكب لمتطلبات العصر، والمساير لمستلزمات العولمة، كما غاب الحياء بنوعيه لدى الطلبة، وحل محله التعجرف والتكبر، وغابت التسريحات المؤدبة وحضر القزع المنهي عنه شرعا، واندثرت الطالبات – أو كدن – الحييات العفيفات، وبزغ نجم الكاسيات العاريات، المائلات المميلات. فلله المشتكى وله اللجوء.
ثانيا: الجانب الدراسي والتحصيلي للطالب:
كان هذا أهم ما يخص الجانب الأخلاقي للطالب الجامعي – في عجالة وجيزة -، والآن فلتولي وجوهنا شطر الجانب التحصيلي والدراسي له – أي الطالب الجامعي -.
لا تنفك اللعنات والويلات تلحق بالجامعة المغربية ككل، وبالطالب الجامعي على وجه الخصوص، لا سيما من ناحية تحصيله الدراسي ومكتسباته العلمية...
إن أغلب الأساتذة الجامعيين لا ينفكون يشتكون اليوم بعد الآخر، من رداءة مستوى الطالب في هذا الوقت، والطلبة هم الآخرون يشتكون من تعنت الأساتذة وشدتهم، وضعف مناهجهم ومقرراتهم السنوية الجامعية، فتجد كلا يحمل مسؤولية إهمال الواجب للآخر. ولا شك أن هذا الصراع وهذه المشاحنات الفكرية والاعتقادية بين الطرفين لن يحصل منها خيرا، ولن ينتج عنها إلا شر. وهذا يظهر لعموم الطلبة والطالبات أثناء الاطلاع على نتائج الامتحانات، فمن أصفار ووحدات وأعداد فردية لا تتوافق ومتطلعات كل طالب مجد.
ختاما، وتفاديا لكل طول ممل أو اختصار مخل، يمكن أن نلخص أسباب تراجع الجانب التحصيلي للطالب في عدة أمور منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- دخول الطالب إلى الجامعة بأفكار ومناهج المرحلة الثانوية، والحقيقة التي لا مفر منها أن ما في الجامعة مغاير تماما ومختلف كثيرا عما تعلمه الطالب وهو تلميذ ثانوي.
2- اعتماد الطالب على بالدرجة الأولى على الملخصات التي يضعها الأستاذ في المكتبة الجامعية، دون الرجوع إلى الكتب إلكترونية كانت أو ورقية.
3- الغياب المتواصل والمبالغ فيه عن محاضرات الأستاذ، وهذه غفلة شديدة لدى الطالب.
4- الإغفال عن مراجعة المواد المقررة أواخر كل أسبوع، وترك ذلك إلى حين قرب الامتحانات بأسبوع أو أسبوعين، وهذا خطأ.
5- الاستحياء من السؤال أثناء إلقاء الأستاذ للدرس، وهذا مذموم. " اثنان لا يتعلمان: مستحي ومتكبر".
كل هذه الأسباب وغيرها مما له صلة بها، يصب في مجرى تراجع المستوى العلمي والتحصيلي للطالب الجامعي، وكما قيل " العلم لا ينال براحة الجسم "، فمن جد وجد ومن زرع حصد.