بين اليوم والأمس : التلميذ المغربي وسؤال الهوية |
رغم كثرة المواضيع المطروحة اليوم على طاولة النقاش ، سواء
في الميدان السياسي أو الاجتماعي أو الصحافي الإعلامي ، أو الثقافي ، إلا أننا نجد التلميذ باعتباره لبنة أساس في
بناء المجتمع شبه مغيبة ، أو مغيبة بالكامل في هذا النقاش . وعليه فهل يمكن اعتبار هذا التهميش والإقصاء تواطؤا
بين الفاعلين في هذه المجالات ؟ أم أن الموضوع غير مربح إعلاميا وصحفيا من جهة ،
وغير ذي جدوى من جهة أخرى ، بحيث أن الاهتمامات الثقافية والاجتماعية والسياسية
أصبحت ترنوا إلى أكثر من جعل التلميذ موضوع نقاش ؟
كل المغاربة
الآن يعلمون أن مدرسة اليوم ليست هي مدرسة الأمس ، وأن تلميذ اليوم ليس هو تلميذ
الأمس ، بل إن الدرس التعليمي اليوم ليس هو الدرس التعليمي نفسه بالأمس ، تغيرت
الأمور ، وظهرت مستجدات ، وذهبت أشياء كثيرة ، لم يبق لها اليوم وجود . فالمفارقة
إذن حاصلة وحتمية بين الأمس واليوم ، مع الاعتراف من طبيعة الحال بتفوق الأمس على
اليوم بكثير . فإلى جانب الساعات الدراسية المكثفة ، وكثرة الدروس التعليمية
المقررة ، وهيبة الأستاذ والمعلم مع خوف التلميذ واحترامه ، إلى جانب هذا كله ، لابد
وأن نستحضر ذلك الدور الطليعي الذي كان يلعبه التلميذ ، من خلال ثقافته الواسعة ،
ومداركه المتنوعة ، ابتداءا مما كان يحفظه من قرآن كريم في أيامه الأولى ، حيث كان
يرتاد '' المسيد '' باعتباره أول مؤسسة تربوية تعليمية ، فقد كان كثير الاطلاع ،
واسع المعرفة ، كثير البحث عن المعلومة . وقد كان هذا هو حال أكثر التلاميذ ،
الذين كانت مستوياتهم متقاربة ، بحيث كانت
تكفيهم خمس سنوات من الدراسة أو ما كان يعرف ب'' الشهادة '' ليصبحوا مدرسين أكفاء
متمكنين من كل وسائل البيداغوجيا والديداكتيك ، يتقنون على الأقل اللغة الفرنسية
إلى جانب لغتهم الأم ، وهي اللغة العربية ، بصرفها ونحوها وإعرابها . هذا في
المراحل الأولى من الدراسة ، أما إذا تجاوزوا ذلك إلى الإعدادي ثم الثانوي ، فإن
التلميذ آنذاك كان يمكن اعتباره من النخبة المثقفة وطنيا ، لأنه أصبح يعرف كل ما
يصول ويجول في أرض الوطن ، وأصبحت له علاقات مع كبار رجال السياسة والأدب والفن
والاجتماع ، أي أن التلميذ أصبح له دور
التأثير في المجتمع ، عن طريق معارفه ومواقفه ، وقناعاته ، هذا دون أن نتحدث عنه ،
وهو يكمل دراسته الجامعية ، سواء داخل المغرب أو خارجه ، مما زاد من تكوينه الشخصي
، وترميم مواقفه الدينية والسياسية على حد سواء . هذا إذا أضفنا ما كان يجري في
العالم من حروب ، واستعمارات ، وظهور
تيارات فكرية وسياسية واقتصادية عالمية ، كالعالمانية ، والقومية ، والشيوعية ،
والرأسمالية إلخ ، وظهور حركات المقاومة وغيرها ، كل ذلك كان له دور كبير في تكوين
عقل التلميذ العربي عامة ، والمغربي خاصة ، وبناء مواقفه الدينية ، والوطنية ،
والقومية ، والرجوع إلى التراث : من لغة وتاريخ ، وآداب ، وفن ، والتشبث به ، خشية الضياع والانصهار في ما أصبح يعرف
بالعولمة أو النظام العالمي الجديد . فظهر لنا ما يسمى بالحركة التلاميذية ، وقد
كانت نشيطة في أغلب الثانويات المغربية ، وبعض الإعداديات .
إذا اكتفينا
بهذا القدر ، رغم طول المقال ، وأردنا أن نكون لأنفسنا نظرة على تلميذ الأمس ، لن
يسعفنا الأمر بأن نحكم عليه ، بغير ما حكم به هو على نفسه ، ألا وهو الوطنية ،
والتراثية ، والأخلاقية ، وعدم التطبيع مع كل أشكال الهيمنة الاستعمارية ، وفي
مقدمتها الهيمنة الحضارية الثقافية ، أي أنه كان حريصا على الحفاظ على هويته
التاريخية ، بكل ما تحمله من معاني العروبة وأخلاق ، وقيم .
هنا يطرح السؤال : هل يمكن إسقاط ما تقدم من صفات وسمات تلميذ الأمس على
تلميذ اليوم ؟ (...)
يــــتبـــع
بشعور عبد السلام البقالي